الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن الوقت هو عمر الإنسان، ومن أجل ما يُصان عن الإضاعة والإهمال، والحكيم الخبير من يحافظ على وقته، فلا يتخذه وعاء لأبخس الأشياء وأسخف الكلام،
بل يقصُره على المساعي الحميدة والأعمال الصالحة التي ترضي الله، وتنفع الناس، فكل
دقيقة من عمرك قابلة لأن تضع فيها حجراً يزداد به صرح مجدك ارتفاعاً، ويقطع به قومك في السعادة باعاً أو ذراعاً.
فإذا كنت حريصاً على أن يكون لك المجد الأسمى، ولقومك السعادة العُظمى، فدع الراحة جانباً، واجعل بينك وبين اللهو حاجباً.
هذا
وإن الدقيقة من الزمن يمكن أن يُفعل فيها خير كثير، ويُنال بها أجر كبير،
دقيقة واحدة فقط يمكن أن تزيد في عمرك، في عطائك، في فهمك، في حفظك، في
حسناتك، دقيقة واحدة تكتب في صحيفة أعمالك إذا عرفت كيف تستثمرها وتحافظ
عليها:
احرص على النفع الأعم *** من الدقيقة
إن تنسها تنس الأهــم *** بل الحقيقة
وفيما يلي من أسطر ذكر لمشاريع استثمارية تستطيع إنجازها في
دقيقة واحدة بإذن الله:
1- في دقيقة واحدة تستطيع
أن تقرأ سورة الفاتحة (7) مرات سرداً وسراً، فحسب بعضهم حسنات قراءة
الفاتحة فإذا هي أكثر من (1400) حسنة، فإذا قرأتها (7) مرات يحصل لك بإذن
الله أكثر من (9800) حسنة، وكل هذا في دقيقة واحدة’
2- في دقيقة واحدة تستطيع أن تقرأ سورة الإخلاص{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:
1]، (20) مرة سرداً وسراً، وقراءتها مرة واحدة تعدل ثلث القرآن، فإذا
قرأتها (20) مرة فإنها تعدل القرآن (7) مرات، ولو قرأتها كل يوم في دقيقة
واحدة (20) مرة لقرأتها في الشهر (600) مرة، وفي السنة (7200) مرة، وهي
تعدل في الأجر قراءة القرآن (2400) مرة.
3- تقرأ وجهاً من كتاب الله في دقيقة.
4- تحفظ آية قصيرة من كتاب الله في دقيقة.
5- في الدقيقة الواحدة تستطيع
أن تقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل
شيء قدير (20) مرة، وأجرها كعتق (8) رقاب في سبيل الله من ولد اسماعيل.
6- في دقيقة واحدة تستطيع أن تقول: سبحان الله وبحمده (100) مرة، ومن قال ذلك في يوم غفرت ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر.
7- في دقيقة واحدة
تستطيع أن تقول: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم (50) مرة، وهما
كلمتان خفيفان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن، كما
روى البخاري ومسلم.
8- قال صلى الله عليه وسلم:
«لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر أحبّ إليّ مما طلعت عليه الشمس» [رواة مسلم]،
و في الدقيقة الواحدة تستطيع
أن تقول هذه الكلمات جميعاً أكثر من (18) مرة، وهذه الكلمات هي أحبُّ
الكلام إلى الله، وهي أفضل الكلام، ووزنهن في الميزان ثقيل كما ورد في
الأحاديث الصحيحة.
9- في الدقيقة الواحدة
تستطيع أن تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله أكثر من (40) مرة، وهي كنز من
كنوز الجنة كما روى البخاري ومسلم، كما أنها سبب عظيم لتحميل المشاق،
والتضلع بعظيم الأعمال.
10- في دقيقة واحدة تستطيع
أن تقول: لا إله إلا الله (50) مرة تقريباً وهي أعظم كلمة، فهي كلمة
التوحيد، والكلمة الطيبة، والقول الثابت، ومن كانت آخر كلامه دخل الجنة،
إلى غير ذلك مما يدل على فضلها وعظمتها.
11- في دقيقة واحدة تستطيع
أن تقول: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد
كلماته أكثر من (15) مرة، وهي كلمات تعدل أضعافاً مضاعفة من أجور التسبيح
والذكر كما صح عنه عليه الصلاة والسلام.
12- في دقيقة واحدة تستغفر
الله عز وجل أكثر من (100) مرة بصيغة (أستغفر الله) ولا يخفى عليك فضل
الاستغفار، فهو سبب للمغفرة، ودخول الجنة، وهو سبب للمتاع الحسن، وزيادة
القوة، ودفع البلايا، وتيسير الأمور، ونزول الأمطار، والإمداد بالأموال
والبنين.
(قال العبد الفقير إلى عفو مولاه أبو ليث الجزائري :
والشيخ حفظه الله، لا يقصد بهذا حصر قراءة سورة الفاتحة سبع مرات أو
الإخلاص عشرين مرة وغير ذلك مما ذكر من أنواع الذكر مع أعداده مما يمكن
قوله على وجه التعبد في دقيقة واحدة، وأن يجعل ذلك طريقة ثابتة يبغي بها
صاحبها الثواب والأجر ، فان هذا ما لم يرد به دليل، ومن ثم يفهم من كلام
الشيخ أنه يقصد بذلك التنويه بفضيلة الوقت وما يستطيع المرء كسبه من
الحسنات، لما أبانه في المقدمة، و أن تجعل التلاوة و كذلك الذكر سجية في
سائر الوقت يقولها صاحبها من غير حصر لها بوقت معين ولا بعدد معين الا ما
ورد الدليل بتحديده كما هو الحال مع أذكار الصباح والمساء، و إلا فلا يجوز
إثبات عمل على وجه تعبدي الا بدليل، لأن إثبات أعداد وأوقات الأذكار
المطلقة التي لم تحد بوقت أو عدد معين هذا إلى المعصوم عليه أفضل الصلاة
والسلام، قلت هذا دفعا عن الشيخ الفاضل، وتبيانا لمقصده كما هو الظن به، حتى لا يحدث الخلط كما وقع لبعض الناس عفا الله عنا وعنهم، فينسب للعلماء ما لم يخطر لهم ببال، فضلا أن يقولوا به.)
13- تلقي كلمة مختزلة مختصرة في دقيقة و ربما يفتح الله بها من الخير ما لا يخطر لك ببال.
14- في الدقيقة الواحدة تستطيع
أن تصلي على النبي صلى الله عليه وسلم (50) مرة بصيغة صلى الله عليه وسلم،
فيصلى عليك مقابلها (500) مرة، لأن الصلاة الواحدة بعشر أمثالها.
15- في دقيقة تستطيع أن تتفكر في خلق السموات والأرض، فتكون من أولي الألباب الذين أثنى الله عليهم في كتابه الكريم.
16- في دقيقة واحدة ينبعث
قلبك إلى شكر الله ومحبته، وخوفه، ورجائه والشوق إليه، فتقطع مراحل في
العبودية، وقد تكون حينئذ مستلقياً على فراشك أو سائراً في طريقك.
17- في الدقيقة الواحدة تستطيع أن تقرأ أكثر صفحتين من كتاب مفيد يسير الفهم.
18- في الدقيقة الواحدة تستطيع أن تصل رحمك عبر الهاتف.
19- ترفع يديك وتدعو بما شئت من جوامع الدعاء في دقيقة.
20- تُسلم على عدد من الأشخاص وتصافحهم في دقيقة.
21- تنهى عن منكر في دقيقة.
22- تأمر بالمعروف في دقيقة.
23- تقدم نصيحة لأخ في دقيقة.
24- تشفع شفاعة حسنة في دقيقة.
25- تواسي مهموماً في دقيقة.
26- تميط الأذى عن الطريق في دقيقة.
27- اغتنام الدقيقة الواحدة يبعث على اغتنام غيرها من الأوقات الطويلة المهدرة.
قال الشافعي رحمه الله:
إذا هجع النوام أسبلت عبرتي *** وردَّدت بيتاً وهو من ألطف الشعر
أليس من الهجــران أن ليالــيـاً *** تمرُّ بلا علـم وتحسبُ من عمري
وقال الشاطبي رحمه الله:
ولو أن عيــناً ساعـدت لتوكَّفـت *** سحائبهــا بالدمـع ديمـــــاً وهُطَّلا
ولكنها عن قسوة القلب قحطها *** فيا ضيعة الأعمار تمشي سبهللا
وأخيراً فبقدر إخلاصك و مراقبتك يعظم أجرك، وتكثر حسناتك.
و
اعلم أن معظم هذه الأعمال لا يكلفك شيئاً، فلا يلزمك طهارة، أو تعب أو بذل
جهد، بل قد تقوم به وأنت تسير على قدميك، أو في السيارة، أو وأنت مستلق أو
واقف، أو تنتظر أحداً.
كما أن هذه الأعمال من أعظم أسباب السعادة، وانشراح الصدر، و زوال الهموم والغموم.
و في الختام يُقترح
عليك يا أخي الحبيب أن تحفظ هذه الورقة في جيبك، لكي تستذكر هذه الأعمال،
ولكي تقرأها على إخوتك المسلمين، فنعينهم بذلك على اغتنام أوقاتهم، ولا
تحقرن من المعروف شيئاً، والدال على الخير كفاعله، والله يحفظك ويرعاك.
والسلام عليك ورحمة الله وبركاته